شهد مفهوم التنمية تطورات متلاحقة منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن. فبعد أن كان المنظور الاقتصادي طاغيًا على فكر التنمية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، شهد عقدي الستينيات والسبعينيات اهتمامًا متزايدًا بالبعد الاجتماعي وبقضايا توزيع الدخل وإشباع الحاجات الأساسية جنبًا إلى جنب مع القضايا المتعلقة بزيادة معدلات النمو الاقتصادي. وبعد أن تراجع الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية للتنمية في أعقاب أزمة المدويونية العالمية في الثمانينيات، عاد الاهتمام بها مرة أخرى منذ إطلاق تقارير التنمية البشرية في مطلع التسعينيات وتبنّي الأمم المتحدة للأهداف الإنمائية للألفية MDGs في سبتمبر من عام 2000. وجاءت الحلقة الأخيرة -حتى الآن- من حلقات تطوّر مفهوم التنمية في سبتمبر 2015، حين أطلقت الأمم المتحدة أجندتها الأممية لأهداف التنمية المستدامة SDGs، حيث تم تعريف التنمية على أنها تعني تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون التضحية باحتياجات الأجيال القادمة، وتم -لأول مرة- إدماج البعد البيئي مع البعدين الاقتصادي والاجتماعي ضمن مفهوم أوسع وأشمل للتنمية.
وحيث التزمت كافة الدول العربية بأجندة التنمية المستدامة 2030، كان عليها إدماج تلك الأجندة الأممية وأهدافها وغاياتها ضمن خططها وبرامجها التنموية، وهو ما تطلّب دعمًا فنيًا وتدريبًا متخصصًا للكوادر الوطنية القائمة على هذا العمل. وهنا جاء دور المعهد العربي للتخطيط، الذي بادر بتقديم العديد من البرامج التدريبية حول استراتيجيات وسياسات التنمية، وحول البيئة والتنمية المستدامة وتقييم الأثر البيئي، وكذا حول أهداف التنمية المستدامة وسياسات تنفيذها سواء على مستوى الدول العربية ككل أو على مستوى دول بعينها. وقد شارك في هذه البرامج التدريبية مئات العاملين في مجالات التخطيط والتنمية من مختلف البلدان العربية. كما قام المعهد العربي للتخطيط أيضًا بتقديم العديد من الدراسات الاستشارية للحكومات العربية ولاتحادات الصناعات والغرف التجارية وغيرها من منظمات القطاع الخاص بالإضافة لعدد من الجمعيات الأهلية العربية، في مجالات مرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما ساهم المعهد أيضًا بصورة فعّالة في إعداد التقارير الوطنية الطوعية VNRs التي قدمتها بعض الدول العربية في المنتدى السياسي رفيع المستوى HLPF الذي يعقد سنويًا منذ عام 2016 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك لمتابعة وتقييم الإنجاز المحقق في مختلف دول العالم في مجال التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر. وأخيرًا -وليس آخرًا- أعطى المعهد العربي للتخطيط اهتمامًا متزايدًا بقضايا التنمية المستدامة، وهو ما انعكس بشكل واضح في كافة إصداراته العلمية وأبحاثه المنشورة سواء في تقارير التنمية العربية أو في مجلته العلمية الدورية "مجلة التنمية والسياسات الاقتصادية" أو في غيرهما من الدراسات التنموية الصادرة عن المعهد خلال السنوات الأخيرة.