ضمن موسمه التدريبي الأول للعام 2012/2011، عقد المعهد العربي للتخطيط حلقة نقاشية بعنوان "حول حل معضلة بطالة المتعلمين في البلدان العربية"، وذلك في يوم الثلاثاء الموافق 18 يناير 2012، قدّمها الدكتور حسين الطلافحة – عضو في الهيئة العلمية بالمعهد العربي للتخطيط. يُعتبر معدل البطالة وهو النسبة المئوية للمتعطلين عن العمل إلى قوة العمل والمكونة من العاملين والمتعطلين عن العمل أحد أهم المؤشرات الاقتصادية التي تتمحور حولها السياسات الاقتصادية الكلية وغيرها من السياسات بهدف تخفيض البطالة إلى أقل مستوياتها بالإضافة إلى المحافظة على الاستقرار الاقتصادي. ويمكن اعتبار معدل البطالة من أهم المؤشرات الاقتصادية الأساسية للسياسات الاقتصادية لما له من دلالات وانعكاسات على الاقتصاد بمستوييه الكلي والجزئي. فعلى المستوى الكلي يؤثر ارتفاع معدلات البطالة إلى حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد جرّاء خسارة إنتاجية هؤلاء العمال المتعطّلين عن العمل، وارتباط ذلك بمعدلات النمو الاقتصادي. أما على المستوى الجزئي فيؤشر ارتفاع معدل البطالة إلى انعكاسات آنية على رفاهية الأسرة من حيث أثره المباشر على دخل الأسرة وميزانيتها وبالتالي رفاهية الأفراد. ويزيد من الاهتمام بمعدلات البطالة ما لها من آثار اجتماعية واسعة تصل إلى التأثير على استقرار الأسر ومعدلات الجريمة وغيرها. وقد عانت الدول العربية بشكل عام من ارتفاع معدلات البطالة ولم يقتصر ظهور معدّلات البطالة المرتفعة في الدول العربية ذات الكثافة العمالية بل انتقلت إلى بعض الدول المنتجة للبترول وبنسب ليست بالقليلة. والأهم من ذلك فقد تزايدت البطالة بشكل ملحوظ بين المتعلمين من حملة الشهادات الجامعية وبشكل أكبر بين الإناث المتعلمات. لقد ارتفعت معدّلات البطالة في السنوات العشر الماضية بمعظم الدول العربية فوصلت إلى أرقام مرتفعة تراوحت بين %11 و %15 كما أن العولمة وحرية التجارة وسهولة انتقال السلع والخدمات والعمالة أثرت على فرص التوظيف في الدول العربية الغنية والمنتجة للبترول فظهرت البطالة في هذه الدول، فوصل معدل البطالة في السعودية أكثر من %5 و %4 في الإمارات العربية. وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير بين الإناث فوصلت في معظم الدول العربية إلى أكثر من ضعف معدلات البطالة بين الذكور. أما البطالة بين الشباب بشكل عام فقد ارتفعت إلى معدّلات عالية جداً تصل إلى أكثر من %40 في كثير من الدول العربية حيث لوحظ من إحصاءات منظمة العمل العربية وبعض البحوث التي قام بها المعهد أن معدّلات البطالة قد زادت مع زيادة المستوى التعليمي وارتفعت نسبة المتعلمين والمتعلمات بين المتعطّلين عن العمل. ومما يزيد من أهمية معدّلات البطالة المرتفعة، ارتباط البطالة بالكثير من المتغيرات الاقتصادية مثل التضخم والإنتاجية والأجور، لذلك فإن السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تخفيض البطالة تؤثر على متغيرات اقتصادية أخرى مما قد يحدّ من فعاليتها، لذلك فقد شكّلت تطورات مشكلة البطالة تحدياً حقيقياً لصنّاع القرار في الدول العربية كما لاحظت معظم المؤسسات الإقليمية مثل منظمة العمل العربية وكذلك الدولية مثل البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية أن تعامل الدول مع البطالة يجب أن يتخذ أشكالاً مختلفة وليست فقط السياسات الاقتصادية الكلية التي اعتادت الدول على استخدامها. غير أن ارتفاع معدّلات البطالة بين المتعلمين يشير وبشكل واضح إلى أهمية المواءمة بين مخرجات الأنظمة التعليمية العربية وأسواق العمل العربية هذا يتطلب التوافق والتشابك بشكل كبير بين سياسات سوق العمل وسياسات وتطوير المناهج التعليمية. لقد جاء اختيار المعهد لموضوع حلقته النقاشية اليوم ضمن اهتمامين بتسليط الضوء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الدول العربية والمتعلقة بالبطالة والفقر والسياسات التي تستهدفها ونتائج تطبيق هذه السياسات.