المكتبة الرقمية // إصدارات المعهد العربي للتخطيط

سلسلة دراسات تنموية - لماذا لم تتحول أغلب البلدان النامية إلى بلدان متقدمة تنموياً؟



لماذا لم تتحول أغلب البلدان النامية إلى بلدان متقدمة تنموياً؟


المجلد :

العدد : 44

الناشر : المعهد العربي للتخطيط - الكويت

المؤلفون : د. أحمد الكواز

التاريخ : 12/1/2011


يعتبرالتفاوت الاقتصادي ما بين الدول المتقدمة والنامية، والفجوة فيما بينهما منالموضوعات التي كانت، ولازالت، تمثل اهتمام المختصين، والمتابعين لأسباب ومحدداتالنمو الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية. إلا أن الموضوع الأكثر أهمية هو لماذا لمتتحول الدول النامية إلى متقدمة بعد الحرب العالمية الثانية، ولغاية الآن،باستثناء عدد قليل جداً تحوّلت إلى ما يُسمى بالدول المصنّعة حديثاً. علماً بأنالتقدم يُشير إلى عوامل مركّبة منها، ضمن اعتبارات عديدة، الوصول إلى اقتصادمتنوّع قطاعياً، على المستوى المحلي، وتصديرياً، على المستوى الخارجي. ومنها أيضاًارتفاع مساهمة التطور التكنولوجي في النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى انخفاض ظاهرةالفقر، وتطور النُظم الاجتماعية لرعاية العاطلين، وقطاع صناعي تحويلي متطوّر يوفّرأغلب الاحتياجات من السلع النهائية والوسيطة. لقد حاول أحد المؤرخين الاقتصاديينمن جامعة هارفارد، ديفيد لاندز ، في كتابه "ثروة وفقر الأمم: لماذا البعضبهذا الثراء، والبعض الآخر بهذا الفقر؟" والصادر عام 1998، حاول أن يعزيالأسباب إلى ثلاث مجموعات من العوامل: أولاً: العوامل الجغرافية البيئية،والثانية: الاقتدار التكنولوجي، والثالثة: العوامل الاجتماعية والسياسية. علماًبأن عالم الاجتماع العربي "ابن خلدون" كان قد أورد أهمية العواملالجغرافية والبيئية عام 1377، وفي مقدمته الشهيرة. بالإضافة إلى إسهامات المؤرخالاقتصادي "لاندز"، فقد شهدت الدراسات النظرية التطبيقية العديد منالأسباب لتفسير ظاهرة عدم تحوّل الدول النامية إلى متقدمة. فهناك، أولاً، علىالمستوى الاقتصادي، السبب القائل بأن الأمر يعود لفشل السياسات الاقتصاديةالمطبّقة، وأن التقدم والفشل يرتبط بنجاح أو فشل السياسات. ويرتبط هذا التفسيربالمنهجية المتبعة من قبل النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية، والتي تتبنى أغلبأفكارها مؤسسات التمويل الدولية. وفي المقابل هناك من يرى بأن المشكلة هي ليستمشكلة سياسات، رغم أهميتها، إنما المشكلة، أو المشاكل، مرتبطة بقيود هيكلية،بأسواق الإنتاج القطاعي، وأسواق العمل، والقطاع الخارجي، والمؤسسات، وغيرها.وتتجسّد مجموعة الأسباب الثانية في سيادة الدولة القوية أو التنموية في الدولالمتقدمة، وسيادة الدولة الضعيفة أو الرخوة في الدول النامية كما أشار إلى ذلكعالم الاقتصاد السويدي "جونار ميردال" ، الحائز على جائزة نوبلبالاقتصاد عام 1974 بكتابه الشهير، الصادر في سبعينات القرن الماضي، تحت عنوان"تحدي الفقر العالمي: ملخص برنامج عالمي ضد الفقر"، حيث تغيب صفة فرضالقانون، والتدخل من خلال الأدوات التخطيطية الرشيدة لمعالجة فشل الأسواق، ومحاربةالفساد، وضمان توزيع مقبول اجتماعياً للدخل، وتوفير المؤسسات الملائمة للإدارةالاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغيرها. ويُشار، ثالثاً، ضمن أسباب عدمالتحوّل، إلى ضعف الإدارة الاقتصادية، التي هي بطبيعتها جزء لا يتجزأ من الإدارةالعامة للدولة. ويتجسّد هذا الضعف أفضل ما يتجسّد في الأخطاء في تحديد مراحلوتتابع خطوات الإصلاح الاقتصادي. فمن غير المستحسن، ومن غير المفضّل، إعتمادالإدارة الاقتصادية ومراحل الإصلاح، على مقولة البدء بمرحلة التحرير، محلياًوخارجياً، يضمن اقتصاداً تنافسياً لاحقاً. فلا يقدم التاريخ الاقتصادي مثالاًلدولة متقدمة حالياً، نامية سابقاً، اعتمدت على تحرير التجارة (وما يرتبط بذلك منإلغاء للتعريفة الجمركية المرتبطة بحماية الصناعة والزراعية المحلية) قبل أن تتيحبخلق قطاع زراعي، وصناعي تحويلي ضمن فترة من فترات الحماية الرشيدة (أي الهادفةإلى خلق سلع منافسة، وليس إلى خلق اقتصاد ريعي). كما أن مرحلة بناء المؤسسات لابدأن يسبق أو على الأقل يوازي، أي خطوات لتحرير الاقتصاد. كما أن من أخطاء الإدارةالاقتصادية هي التحيّز للتصنيع على حساب القطاع الزراعي ضمن التطبيق الخاطئ لسياسةإحلال الواردات التي اتبعتها أغلب، إن لم يكن جميع الدول المتقدمة والنامية، علىحدٍّ سواء. بالإضافة إلى أخطاء أخرى عديدة في الإدارة الاقتصادية. رابعاً، ويُشارأيضاً كأحد المعوقات لإنجاز التحول، إلى ضعف المؤسسات واستشراء الفساد. ويسريالقول هنا على المؤسسات الرسمية، المتمثلة في الأعراف والتقاليد والعادات المحاربةللسلوك التنموي في الإدارة الاقتصادية. وعادةً ما يُطلق على المؤسسات بــ "قواعداللعبة" والتي تحكم بدورها دور "اللاعبين" في الحياة الاقتصاديةمثل المنظمات والوزارات والهيئات وغيرها، والتي تعمل في ظل منظومة من القوانينتجسّد روح الدستور. وكلما كانت هذه المؤسسات متسّقة مع المتطلبات التنموية كلماقلت تكلفة إنجاز المعاملات، والعكس صحيح. خامساً، كما تندرج طبيعة النظم السياسيةكأحد الأسباب وراء تسريع أو تباطئ التحوّل لدول متقدمة. فالقناعة السائدة بأن نظمالحكم الديموقراطية تساعد في عملية التحوّل، في حين تُعرقل النظم الدكتاتورية هذهالعملية. إلا أن التجارب التاريخية غير متسقة في هذا المجال. فمن النادر وجودتجربة اقتصادية حوّلت بلد معين من "نامي" إلى "مُتقدم"اعتماداً على نفس نظام الحكم طيلة فترة التحوّل. فقد شهدت أغلب الدول المتقدمة،والنامية على حدٍّ سواء نُظماً تتفاوت في درجة ديمقراطيتها. إلا أن الثابت هو أنالحكم الديموقراطي هو أمر ضروري ومُلّح لضمان الحرية الفردية والحرية السياسية.ولا يستحب هنا في الاسترسال بعرض العديد من العوامل الأخرى، التي عادةً ما يُستشهدبها كأسباب لمنع مرحلة تحوّل الدول النامية إلى متقدمة، إلا أن ما يجب التأكيدعليه هو أن طبيعة هذه الأسباب هي ليست بالضرورة أسباب إقتصادية فقط، بل هي توليفةمن الأسباب الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالإضافة إلى الاقتصادية. وأنالمجال الأفضل لتناول هذه الأسباب هو من خلال منهج متعدد التخصصات، وبالشكل الذييؤدي إلى معالجة متعددة الأبعاد. وذلك بهدف العمل على ضمان تطور ورفاه الدولالنامية، ومنها الدول العربية. 

تحميل الملف مجاناً