ارتبطت أغلب أنشطة
الصناعات التحويلية في البلدان العربية بالسياسات الصناعية المرتبطة بسياسة احلال
الواردات. حيث اعتبرت هذه السياسة، بعد نيل أغلب هذه البلدان استقلالها السياسي
بعد الحرب العالمية الثانية، كأداة لمعالجة تنويع مصادر الدخل. بالإضافة إلى ما
يمكن أن تمثله هذه السياسة من أداة لتخفيف العبء على ميزان المدفوعات من خلال
الخفض المتوقع في استيراد السلع المصنعة. وتمر هذه السياسة، نظرياً، بمرحلة
الإنتاج محل ما كان يستورد من السلع الاستهلاكية كمرحلة أولى لعدم تعقد القدرات
التكنولوجية المطلوبة، ثم الانتقال نحو إنتاج السلع الوسيطة، وأخيراً الانتهاء
بمرحلة إنتاج السلع الرأسمالية. ثم الانتقال في مرحلة لاحقة إلى الإنتاج للسوق
الخارجي. أو، كآلية أخرى لهذه السياسة، الانتقال من إنتاج السلع الاستهلاكية للسوق
المحلي، إلى الإنتاج السلع الاستهلاكية للسوق الخارجي. ولقد تطلبت هذه السياسة،
ضمن متطلبات أخرى، إيجاد حاجز حماية على شكل تعريفة جمركية تعادل الفارق ما بين
الأسعار المحلية، والأجنبية لسلع إحلال الواردات. بالإضافة إلى استخدام الأساليب
الكمية للحماية (نظام الحصص)، وتحيز للائتمان المصرفي لصالح صناعات احلال
الواردات، وسعر صرف رسمي مبالغ فيه لقيمة العملة المحلية يخفض قيمة الواردات
الوسيطة للازمة لهذه الصناعات. وبناء على ذلك تم البدء بتجربة التصنيع في أغلب
البلدان العربية، بحيث تم تحميل الموازنة العامة للدولة بالعديد من بنود الإعانات
لهذه الصناعات، وفقدان العديد من الفرص الضائعة أمام العوائد المفقودة.
وقد تم الاستمرار بهذه السياسة طيلة ثلاث أو أربعة
عقود وأحياناً خمسة عقود في العديد من البلدان العربية. مع تواضع شديد في الالتزام
بالأدبيات النظرية المرتبطة بهذه السياسة من حيث محدودية فترة عم الصناعات
الناشئة، وضرورة التحول التدريجي للسوق الخارجي، والتحرير التدريجي للواردات
الصناعية لاختبار الكفاءة التنافسية لصناعات احلال الواردات، وتحرير سعر الصرف
تدريجياً لتشجيع الصادرات والضغط على الواردات، والتخلص من ظاهرة الربعية التي
ارتبطت بتطبيق سياسة احلال الواردات، ...الخ. وقد استدعت برامج الاصلاح الاقتصادي،
ضمن متطلبات أخرى، إعادة النظر في سياسة إحلال الواردات لصالح سياسة تشجيع
الصادرات التي تتطلب بدورها خبرة مسبقة في كيفية التعامل مع الأسواق الدولية
وآليات عملها، ونوعية تنافسية من المنتجات، وتطور صناعي تكنولوجي لا يقل عن ذلك
السائد في الصناعات المنافسة دولياً، وعمل ماهر مدرب تدريبياً صناعياً متقدماً.
لذلك فقد شهدت فترة التحول من سياسة احلال الواردات لصالح سياسة تشجيع الصناعات
تعثر الكثير من الأنشطة الصناعية وخروج عدد آخر من هذه الأنشطة من سوق الإنتاج.
وذلك للارتفاع المفاجىء في هيكل التكاليف خاصة في مجال تكلفة التمويل (ارتفاع
أسعار الفائدة على القروض)، وفقدان حصص من السوق المحلي بفعل تحرير الواردات،
وارتفاع المخزون بفعل انخفاض المبيعات، وتزايد الطاقات العاطلة الصناعية.