نلاحظ ابتداءً أنه منذنهاية تسعينات القرن الماضي تبلور اتجاه عام في أوساط المفكرين من جانب، ومؤسساتالعون الإنمائي من جانب آخر، على تعريف عريض للتنمية، بحيث يتم النظر إليها علىأنها "عملية لتوسيع الحريات الحقيقية التي يتمتع بها البشر"، نساءًورجالاً . ويتجاوز مثل هذا المنظور الذي يركز على حريات الإنسان المقاربات الضيقةللتنمية كتلك التي تعتبر التنمية على أنها نمو الناتج القومي الإجمالي ، أو أنهازيادة متوسط دخل الفرد، أو أنها التصنيع أو أنها التقدم التقني أو أنها التحديثالاجتماعي. وعلى الرغم من أن بعض هذه المقاربات تمثل وسائل لتوسيع حريات البشر،إلا أن الحريات تعتمد على محددات أخرى كالترتيبات الاجتماعية لتوفير خدمات الصحةوالتعليم، والحقوق السياسية والمدنية التي تهيئ الفرص للمشاركة في الجدل حولالقضايا العامة ومساءلة أولى الأمر.
أدى تبنيّ مفهومالتنمية ليُعنى بتوسيع الحريات التي يتمتع بها البشر إلى تطوير عدد من المبادراتالدولية حول المناهج التطبيقية التي يمكن استخدامها لتقييم جهود التنمية تمثلأهمها في الأهداف الدولية للتنمية التي اتفق عليها المجتمع الدولي في إطار الأممالمتحدة في سبتمبر 2000، والتي أصبحت تعرف بأهداف "الألفية للتنمية" التياشتملت على:
- تخفيض نسبة من يعيشون في فقر مدقع بمعدل النصف خلال الفترة من 1990 إلى 2015.
- إلحاق جميع الأطفال بالتعليم الابتدائي قبل حلول 2015.
- التقدم نحو هدف تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من أسباب القوة عنطريق إزالة التفاوت بينهما في التعليم الابتدائي والثانوي قبل حلول 2015.
- إنقاص معدلات وفيات الأطفال الرضع بنسبة الثلثين خلال الفترة من 1990 إلى 2015.
- إنقاص معدلات الوفيات أثناء الولادة بنسبة ثلاثة أرباع خلال الفترة من 1990 إلى2015.
- مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا وغيرها من الأمراض.
- تنفيذ إستراتيجيات وطنية للتنمية قادرة على الاستمرار حتى عام 2015، حتى يمكنعكس اتجاه الخسارة في الموارد البيئية حتى عام 2015 .
ويلاحظ في هذا الصدد،أن كل هذه الأهداف تتمحور حول الإقلال من الفقر، وأن هدف الإقلال من الفقر إلى نصفمستواه الذي كان سائداً في عام 1990 بحلول عام 2015 قد تمت صياغته على أساسالمنهجية المهيمنة للقياس الكمي لظاهرة الفقر، بينما تمت صياغة بقية الأهداف علىأساس منهجية الاستطاعة التي تمثل السند النظري والفلسفي للتعريف العريض. وقد تمتصياغة هدف الإقلال من الفقر على وجه التحديد على أساس "مؤشر عددالرؤوس"، الذي يقصد به نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط للفقر يتم تحديده،(دولار للفرد في اليوم بالمكافئ الشرائي لعام 1985). ويلاحظ في هذا الصدد، أن مؤشرعدد الرؤوس يقيس مدى انتشار الفقر في المجتمع.
من جانب آخر، فإنهيلاحظ أن الهدف الرئيسي الثالث من الأهداف الإنمائية للألفية يعنى "بتعزيزالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة" والذي عكس اهتمام المجتمع الدوليبالحريات المتاحة للنساء في المجتمع ، وفي ما يمكن أن يساهمن به في إحداث التغييرالاجتماعي . وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن أجندة حركة "حريات حقوقالمرأة" قد تضمنت هدفين هامين، هما : أن تحظى المرأة في المجتمع بمعاملةمساوية للمعاملة التي يلقاها الرجل خصوصاً في مجالات العمل المختلفة ، والذي يمكنوصفه بهدف "رفاه المرأة" في المجتمع ، وهدف أن يكف المجتمع عن النظرللمرأة كمتلقية لمساعدات تزيد من رفاهيتها، وإنما ينظر لها كشريك فاعل في إحداثالتغيير الاجتماعي الذي من شأنه التأثير على النساء والرجال على حد سواء2، وهو مايمكن وصفه بهدف "دور المرأة" في المجتمع.
وبينما ركّزت الحركات النشطة لحقوق المرأة ،خصوصاً في المجتمعات الغربية المتقدمة، على هدف رفاه المرأة، فقد حظي هدف دورالمرأة باهتمام في الآونة الأخيرة، ولعل أهم الأمثلة التي يمكن أن تُساق في مجالالدور الفاعل للمرأة في المجتمع هو دورها في مجال تعظيم فرص الحياة للأطفال، ومنثمّ انخفاض معدلات وفيات الأطفال والرضع، ودورها في ترشيد عملية الإنجاب، ومن ثمانخفاض معدلات الخصوبة. وكلا هذين المجالين له أهمية حرجة في عملية التنمية من حيثانطوائها على توسيع الحريات المتاحة . وفي كلا الحالتين نجد أن رفاه المرأة يؤثرتأثيراً مباشراً ، ويلعب دوراً محورياً، كوسيط في تحقيق الأهداف التنموية.
بالإضافة إلى الهدف الثالث من الأهداف الإنمائية، فإنه يلاحظ أن الهدف الثاني حولالتعليم، والهدف الخامس حول الصحة الإنجابية، والهدف السادس حول مكافحة الأمراضالمعدية ، تنطوي على محتوى للمساواة بين الجنسين ورفاه المرأة.
إن هذه الورقة تهدف إلى استكشاف العلاقة بين التنمية بتعريفها الواسع ، معبراًعنها بالإقلال من الفقر، وتمكين النساء وكذلك إلى استكشاف العلاقة بين النموالاقتصادي والتحول الهيكلي (كتعريف تقليدي للتنمية) وتمكين المرأة. ولأغراض هذاالاستكشاف، يقدم القسم الثاني عدداً من الملاحظات المنهجية حول طريقة إستكشاف العلاقة،ويتناول القسم الثالث إستعراضاً للشواهد حول ما إذا كانت النساء يعانين من إنتشارفقر الدخل أكثر من الرجال، وهي قضية تعرف بأطروحة "تأنيث الفقر"، وذلكفي عدد من الدول العربية التي توفرت لها المعلومات المطلوبة. في القسم الرابعنستعرض النتائج التي توصلنا إليها في ما يتعلق بكيفية تأثير التنمية على تمكينالمرأة، وذلك عن طريق استخدام المؤشرات الملائمة التي تم استعراضها تحت الملاحظاتالمنهجية. ويشمل القسم الخامس على النتائج الخاصة بتأثير النمو الاقتصادي بينمايقرر القسم السادس النتائج المتعلقة بالتحول الهيكلي. ونقدم في القسم الأخير بعضالملاحظات الختامية.